أولا: تعريف بالكتاب
http://waag-azhar.org/search_database.aspxالمؤلف: سنية قراعة
الناشر: مكتب الصحافة الدولى للصحافة والنشر، القاهرة
سنة الطبع: 1968
عدد موضوعات الكتاب: 26 موضوعاً
ثانياً: التعريف بالمؤلفة
تعمل بمهنة الصحافة وكانت تمتلك مكتب الصحافة الدولى للصحافة والنشر الذى كان يصدر مجلة أسبوعية باسم "ألوان جديدة" ، أصدرت المؤلفة العديد من الكتب التاريخية والأدبية والقصصية بلغت ثمانية عشر كتاباً منها كتاب (نمر السياسة المصرية) وكتاب (حارس المجد جمال عبد الناصر) وكتاب ( مساجد ودول) والكتاب المعروض للتلخيص (تاريخ الأزهر فى ألف عام).
تنتمى المؤلفة إلى عائلة أزهرية أصيلة قدمت من صعيد مصر تدعى (قراعة)، عددت المؤلفة بعض علمائها والمناصب التى تولوها على مدار التحاقهم بالأزهر فوجدت عددهم يفوق الستين شيخاً هم الذين شغلوا المراكز العديدة فى القضاء الشرعى ورئاسة المحاكم العليا والشرعية وعضويتها كالشيخ محمد أمين قراعة الذى شغل منصب قاضى قضاة السودان وعضو المحكمة العليا الشرعية، والشيخ على قراعة الذى تولى رئاسة المحكمة العليا الشرعية، والشيخ عبد الرحمن قراعة مفتى الديار المصرية ووكيل الأزهر.
أما عن سبب تأليفها للكتاب فقد تضمن الدوافع التالية:-
أولا: الأمانى التى كان الناس يرغبون بها .
عقول الأولاد الذكور فقط بالأزهر وصحنه وحلقات الدرس فيه وصقل روحهم وتهذيب نفوسهم والنهل من موارد العلوم دون البنات فإنه كان غير مباح للعنصر النسائى، وهو مادفعها إلى المناداة بأحقية البنات للالتحاق به من خلال مجلتها الأسبوعية (ألوان جديدة) سنة 1953.
ثانياً: تأثير الأزهر الروحى فى نفس المؤلفة.
وأثره المادى والمعنوى وتعلقها وشغفها به فأرادت أن تعلم ماهيته أهو مسجد للعبادة أم دار علم وعرفان، وأمام هذه الحيرة تساءلت عن دافع اختيارها للأزهر بالذات كموضوع بحث فخرجت بدافعين الأول: البيئة الإسلامية المتدينة التى نشأت بها ولها صلات وطيدة بالأزهر من خلال علمائها وشيوخها، والثانى: يمثل تاريخ بلادها فى الكفاح والنضال الشعبى والذى برزت من خلاله الشخصية المصرية الأصيلة، وقد كان لهذين السببين أثر كبيرفى تقديسها للأزهر أولاً، ثم دافعاً للكتابة فيه ثانياً.
ثالثاً: الهالة العظيمة التى صاحبت المسجد.
والفكرة الجدية التى راودت المؤلفة عن صورته العتيقة الشامخة معماريا، تلك الفكرة التى تملكتها عن الأزهر وتشبعها وجدتها فرصة لاستكمال جهادها الذى عزمت عليه فى اخراج المكتبة النسائية الدينية التى رغبت فيها وتعويضها ما فاتها من عدم الالتحاق بالأزهر والدراسة فيه، وكذا لحرمانها منه وهى طفلة صغيرة.
ثالثاً: نظرة تاريخية على المنهج.
منهج الكتاب المعروض ذو شقين، الأول يشمل تاريخ الدول الإسلامية من عهد الدولة الفاطمية وحتى نهاية عصر السلاطين المماليك وعلاقاتها بالأزهر، والشق الثانى يتضمن تاريخ الأزهر ابان العصر العثمانى، وقد أجادت المؤلفة فى هذا الشق الأخير عند تتبعها للحوادث التى مرت بالأزهر سواء داخل صحنه وتعلقها بالمشيخة، أو بالأحداث التى جرت بين الطلاب والأزهر نفسه، أوالتى تتعلق بالوطن كبداية طبيعية لبروز الزعامة الشعبية من العلماء الذين أدوا واجبهم تجاه الوطن خير أداء فى مواجهة حكامهم الظالمين من الأتراك والمماليك.
ولما كانت المؤلفة ليست مؤرخة أكاديمية بالمعنى المتداول والمتعارف عليه حيث أنها لم تنتم إلى مدرسة تاريخية فإن معالجتها لتلك الفترة التاريخية الطويلة ألف عام جاءت بعيدة عن هذا المنهج التاريخى المعمول به فى ذكر تواريخ الأحداث التاريخية وزمنها إلا فى القليل النادر، وكذلك فى معالجة بعض الموضوعات والحوادث مجتمعة دون تفتيتها من خلال المصادر التاريخية الأصيلة، وهو ما ظهر فى نبرتها وأسلوبها الإنشائى والصحفى فى معالجة مادتها العلمية، وتكرار الأحداث الواحدة فى أكثر من موضوع.
فضلاً عن عدم التوثيق التاريخى من المصادر والمراجع التى أثبتتها فى نهاية الكتاب عرضا، والتى جاءت قليلة جداً لموضوع كهذا ولفترة زمنية كبيرة تقدر بألف عام، كما أن عدم اعتمادها على المنهج التاريخى ظهر بشكل واضح فى عدم قدرتها كباحثة على عرض الكتاب فى شكل أبواب أو فصول أو مباحث وإنما هو أقرب إلى القصة أو الرحلة كما سمته هى فى شكله الحالى معتمدة على الهواية التاريخية والسرد التاريخى أكثر من اعتمادها على التوثيق المنهجى التاريخى فى التقسيم المشار إليه والذى سنتعرض له بالتفصيل دون تعديل كما هو، وإن كنا سنتوقف عند بعض النقاط التى تستحق المعالجة أو الإيضاح، وقد يكون للمؤلفة عذرها عندما تعرضت لسرد تاريخ ضخم وحافل بالأحداث العلمية والتاريخية والسياسية والاقتصادية عن الأزهر بنفس المنهج المتداول إبان تلك الفترة وظهر عدد كبير ممن اقتحموا مجال علم التاريخ دون انتمائهم لمدرسة تاريخية فبعضهم كان يمتهن المحاماة أو الأدب أو الصحافة والتى كانت منها المؤلف، فضلاً عن قلة من تجشموا عناء الكتابة عن الأزهر من مؤرخى تلك الفترة والتى جاءت متأخرة نسبياً وإلى حد ما وقريبة من زمن تأليف الكتاب كمحمد عبد المنعم خفاجى وكتابه (الأزهر فى ألف عام) لسنة 1955، ومحمد عبد الله عنان وكتابه (تاريخ الجامع الأزهر) لسنة 1958.
رابعاً: نظرة تاريخية على موضوعات الكتاب.
رغم أن الكتاب يحوى عدة عصور تاريخية ضاربة فى عمق التاريخ المصرى العربى الإسلامى إلا أن المؤلفة قد نجحت فى إخراجه بتلك الصورة عن الأزهر الشريف طلاباً وشيوخاً وعلماء وعلاقتهم بالحكام، فضلاً عن اهتمامها بتعمير المسجد وبنائه وزخرفته ثم الأروقة والأوقاف والأحباس، على أن أهم جزئية تعرضت لها هى إبراز دور الأزهر- على مر تلك العصور التاريخية- فى نشر ورعاية العلوم الشرعية والحفاظ علي اللغة العربية (لغة القرآن) أمام الأتراك العثمانيين، ثم تصديه للإجحافات ضد المصريين من جانب الحكام والتى لم تتعرض المؤلفة للعديد منها خلال ثنايا السطور، كما أنها قصًّرت فى حديثها حول شيوخ الأزهر على الذين اعتلوا منصب المشيخة خلال العصر العثمانى، وكان من الأولى بها التعرض للعديد والعديد من شيوخ الأزهر إبان العصر المملوكى وإبراز دورهم العلمى وفضله على العالم الإسلامى فى كافة فروع العلم من الفقه والحديث واللغة وغيرها والتى عرضته فى شئ من الإيجاز وفى موضوع واحد من ضمن ستة وعشرين موضوعاً ثم تبعته بتفصيل مسهب عن المشيخة فى العصر التالى له والذى حوى ما يقرب من ثلثى الكتاب من صفحة 172 وحتى نهاية الكتاب صفحة 462.
وقد حرصت المؤلفة على أفراد تفاصيل كثيرة لإثبات فكرة معينة سعت إليها متعمدة أو بدون تعمد عن شخصيات إسلامية سيكون لها دور رئيسى فى الأحداث التى ستؤدى إلى قيام الخلافة الفاطمية فى مصر ونشأة الجامع الأزهر كيعقوب بن كلس وجوهر الصقلى وحسين الأهوازى وأبى عبد الله الشيعى، وإن جانب بعضها الصواب وجانب الأخرى الخطأ فى المعالجة التاريخية خلال الموضوعات الأربعة الأولى.
فضلاً عن ذلك فقد غلب على عرض المادة العلمية الشكل الأدبى القصصى المشوق دون الإخلال ببعض الأحداث التاريخية الثابتة فى المصادر التاريخية وإن شابها الإطالة والاسهاب، فمثلاً أسهبت المؤلفة فى تفصيل الأحداث التاريخية السابقة لنشأة مدينة القاهرة على يد الفواطم وهى لا ترتبط بصلب الموضوع عن الأزهر فأفردت لها أكثر من أربعين صفحة من القطع الكبير (34 سطر فى الصفحة) فى ثلاث موضوعات من ضمن سته وعشرين موضوعاً تعرضت فيه لتاريخ الأزهر منذ النشأة وحتى زمن تأليف الكتاب سنة 1968م، فضلاً عن إفرادها لأربعة عشر موضوعاً عن تاريخ الأزهر إبان العصر العثمانى وهو أكثر من نصف موضوعات الكتاب.
وعموماً يمكن القول بأن الكتاب ومادته المعروضة للقارئ جيدة فهى تسجيل لأحداث تاريخية خصبة عن اهتمام الفاطميين بإنشاء الأزهر كالجامع للعبادة وإقامة الفرائض وكركن أساسى أسوة عن النبى (عليه الصلاة والسلام)، ثم كجامعة عملية لنشر المذهب الشيعى كبداية ثم تطور بتطور الزمن لدراسة معظم العلوم والمعارف الدينية والمذهبية ودراستها حتى أضحى أقدم جامعة عالمية على وجه الأرض حتى الآن بشيوخه وعلمائه وطلابه تخرج من بين دفتيه عدد كبير من العلماء فى كافة التخصصات من معظم الدول الإسلامية، وأضحوا قادة وزعماء فى دولهم، كما نهل الأوربيون- إبان العصور الوسطى- من منبعه ومعارفه.
خامساً: موضوعات الكتاب
كما ذكرنا فإن المؤلفة شرعت فى تقسيم الكتاب إلى عدة موضوعات بلغت ستة وعشرين موضوعاً تحدثت فى الموضوعات الثلاثة الأولى عن نشأة الخلافة الفاطمية فى المغرب أولاً ثم فى مصر ثانياً، وبناء مدينة القاهرة على عهد سعيد (أبو عبيد الله) أو المهدى المنتظر دون ذكر أسمه الكامل أو التعرض للفترة الزمنية لنشأة الخلافة الفاطمية، ثم التعرض لموقف أبى عبد الله الشيعى الذى تولى الدعوة ضد الخلافة العباسية كأساس للوصول إلى الجامع الأزهر فى مصر
رصدت فيه المؤلفة لأسباب انهيار الدولة العباسية ومنها إيثار الأعجمي على العربى عقب محاولات العباسيين القضاء على الخوارج والشيعة المتحزبين للعلويين، أدى ذلك إلى استعانة العباسيين بالأعاجم على العرب الذين أضحوا أداة للتنكيل بأهلهم، مما أهل تلك الطبقة للوصول إلى مراكز متقدمة فى الدولة وشعور العربى بالغربة فى بلاده، حينئذ عزم العرب على التخلص منهم وصد تيار الأعجمى الرامى إلى بث الفرقة بين الحاكم ورعيته، ولضمان نجاح الدعوة فقد اقترنت فى بداية أمرها بالدين وتأصيلها بالطابع العربى وايقاظه من خلال روابط متينة أهمها صلته بالنبى (صلى الله عليه وسلم) وبآل البيت، حتى أن هؤلاء الدعاة نسبوا أنفسهم إلى بيت الرسول كهدف رئيسى لانجاز مهمتهم فى جذب الشعوب العربية إليهم ضد الخلافة العباسية من جانب، ومن جانب ثان فقد اقترنت الدعوة السرية التى تفرقت فى كافة المدن والامصار فى الدولة العباسية بظهور المهدى المنتظر الذى سينقذ الناس من مفاسد الموالى وخلفاء الدولة العباسية، وسرت أنباء تلك الدعوة وأخبار الدعاة عن الامام المجهول الذى قيل عنه (الرضا من آل محمد) مثار أحاديث جماعات الحجيج الذين أندس بينهم الدعاة لنشر المذهب الشيعى وكان من بينهم أبو عبد الله الشيعى الذى كان لكلماته وقع السحر فى نفوس بعض المغاربة فدعوه، وما إن وصلت أخباره ونشاطه إلى شمال أفريقيا حتى تتبعها إبراهيم بن الأغلب الذى أهمل شأنه حتى استفحل أمره وألف جيشاً من مؤيديه الكتاميين الراغبين فى معرفة حقيقة المهدى الذى صوره بأنه سينزل إلى الأرض ويخالطهم فى هيئة بشرية فى مدينة سلمية من أعمال حمص بالشام وكنيته سعيد الذى يعمل بالتجارة مع ولده أبو القاسم نزار.
ولما علم الخليفة العباسى (المكتفى بالله) بالأمر بعد وفود الرسل من المغرب إلى سلمية فى طلب روح المهدى أمر أتباعه بمطاردة وفد أبى عبد الله الشيعى واقتفاء أثرهم بعد هروبهم إلى مصر بمرافقة سعيد رأس الدعوة وولده أبو القاسم، وزيادة فى الحيطة ولتضيق الخناق علي أعوان أبى عبد الله وسعيد وولده فقد أرسل الخليفة رسله لمراقبة الغرباء والمشتبه فيهم، ولكن سعيداً تمكن من الإفلات منهم وتسلل من مصر حتى بلغ المغرب ليبدأ عهد جديد على أهالى المغرب من خلال الرجل الذى رفعوه إلى مصاف التقديس.
يتحدث عن نشأة الدولة الفاطمية فى المغرب على يد أبى عبد الله الشيعى وسعيد ومحاولات ولاة أفريقية من بنى الأغلب وقف الدعوة الشيعية بواسطة حاكم سلجماسة (اليسع بن مدرار) الذى تحايل عليه سعيد لكن هذه الحيلة لم تنطل على زياد الله بن الأغلب (حاكم أفريقية) فقبض على سعيد.
إزاء ذلك جمع أبو عبد الله الشيعى أتباعه وهزم جيش الاغالبة وأطلق سراح سعيد الذى لقب نفسه بالمهدى المنتظر وتنصل من اسمه فغيره إلى عبيد الله، وأخذ البيعة لنفسه كخليفة ثم دعا لها لولده (أبى القاسم نزار) ثم لخلفائه الذين سماهم بالخلفاء الفاطميين، وفى أول رد فعل قضى المهدى على تابعيه وأعوانه الذين مهدوا له الطريق للوصول إلى الحكم وكان على رأسهم أبو عبد الله الشيعى، وإثر استقرار الحكم فى المغرب قام المهدى بمحاولات للاستيلاء على مصر ولكنها فشلت نتيجة لقوة واليها.
وإبان عهد أبى القاسم نزار المسمى بالخليفة القائم بأمر الله الفاطمى قامت ثلاث محاولات للاستيلاء على مصر ولكنها باءت بالفشل الذريع على يد الإخشيديين، عند هذا الحد قطعت المؤلفة الأحداث لإبراز شخصية يعقوب بن كلس (اليهودى) على مسرح الأحداث ونشاطه فى الشام ثم حضوره إلى مصر على عهد كافور الأخشيدى الذى استعان به فى أمور الدولة كجمع الخراج وجباية أموالها من كافة قرى ومدن مصر والتى زودته معرفته وخبرته الواسعة بأحوالها من التمكين لنفسه فى البلاد من خلال التجارة والمنصب والثراء.
وقد سعى يعقوب لاعتلاء منصب الوزير الذى كان مرتهناً بإعلان إسلامه وبتحقيق الجاه والثراء أكثر فأكثر، فقد أدى إشهار إسلامه فى حفل عام إلى زيادة ثقة كافور به فأغدق عليه المنح والعطايا، ودفع جعفر ابن الفرات (وزير مصر) إلى كراهيته واضطهاده لرغبته فى الوزارة والاستئثار بحظوة السلطان، وأمام دسائس ابن الفرات ووشاياته لم يجد يعقوب مفراً من الهرب من مصر إلى المغرب خوفاً على حياته وتمهيداً لعودة قوية مرة ثانية، لتترابط الأحداث التى توقفت عندها المؤلفة بين مصر والمغرب بإتحاد كل من الفواطم ويعقوب صاحب الحيلة والدهاء والراغب فى المناصب والجاه، فيعقوب يرغب فى منصب لا يقل عن وزارة مصر، والمعز لدين الله الفاطمى (الخليفة الرابع) لا تقل أمانيه عن امتلاك مصر، لكل هذا قرب المعز يعقوب إلى بلاطه عقب هروبه وقدومه إلى المغرب لتتلاقى أهداف الاثنين فى بوتقة واحدة هى مصر.
وقد أعد المعز ووزيره جوهر الصقلى ويعقوب العارف بأحوال مصر خطة محكمة لنجاح الغزوة على مصر، ساعدهم على ذلك وفاة كافور الإخشيدى المعروف عندهم بالرصد الأسود لتسهل وفاته غزو مصر وتملكها، وقد أوصى المعز قائده جوهر بإنشاء مدينة القاهرة كمدينة جديدة تحمل علم وهوية الدولة الفاطمية وبداية لإنشاء جامع القاهرة.
حاولت المؤلفة أن تعطى فكرة مسبقة من خلال رصدها بأن فتح الفاطميين لمصر كان عبارة عن رسالة ورثها المعز عن أبائه وأجداده تهدف إلى إرساء قواعد دولة الفواطم وذلك بنشر المذهب الشيعى فى مصر، وهذا الأمر أدى إلى اهمالها لعرض بعض الأحداث التاريخية الأخرى ومعالجتها وبخاصة وجود المذهب نفسه فى مصر من خلال سماح الإخشيديين بنشره فى البلاد، ثم دور الدعاة الشاميين واليمنيين والمغربيين فى مصر عندما أكدت بأن الرسالة كانت خاصة ومحدودة فى افراد بيته يجهل الشعب أسرارها
وقد اهتمت المؤلفة اهتماما بالغاً باشتراك يعقوب بن كلس فى أمور الفتح وكأن أمر الغزو والتملك تعلق بيعقوب أكثر مما ينتسب للمعز، كما أن الباحثة لأول مرة تذكر تاريخ زمنى منذ بداية الكتاب وهو فتح مصر سنة 358 هـ/969م.
وفى كيفية بناء مدينة القاهرة بجوار العواصم القديمة الفسطاط والعسكر والقطائع عقدت المؤلفة مقارنة بين مقدم كل من عمرو بن العاص واحمد بن طولون إلى مصر وبناء مسجدهما ومدينتهما ومقدم جوهر وبناء القاهرة، وتعرضت لسبب تسمية لمدينة بالقاهرة بما قاله الخليفة المعز لقائده عقب الغزو: "لتدخلن مصر بالأردية من غير حرب، ولتنزلن فى خرابات ابن طولون وتبنى فيها مدينة تقهر الدنيا"، وفى أول رد فعل لقائد الفتح جوهر أذاع على المصريين عهد الأمان، ولما كان همه الأول إرساء الحكم الفاطمى فى مصر فقد شرع فى بناء عاصمة للبلاد هى مدينة القاهرة التى جمع لها المنجمين لتعَّينِ مكانها القائم حالياً، وبدأ العمل على قدم وساعد حتى تم بنائها وتشييدها.
ولإظهار كرم الغازيين وعفتهم عن البلاد قدم جوهر الصدقات للأهالى، بل دعا لها فى الأسواق كدعاية طيبة للفاتحين وتأثيرها القوى فى نفوس الأهالى، ثم إنشاء داراً لضرب النقود، وسك عملة فاطمية باسم (الدولة الفاتحة)، وعقب الإنتهاء من ترسيخ الوجود الفاطمى فى مصر انتقل جوهر إلى تدعيم أسس المذهب الشيعى ببعض التغيرات كقطع الخطبة عن بنى العباس، وتغير صيغة الأذان، والصلاة والتسليم على المعز، بل شمل التغير الخليفة المعز نفسه حيث رفعه أتباعه إلى مكانة فيها مغالاة من الاجلال والتقديس تشبه العبادة، وشرع فى بناء جامع لمدينة القاهرة ليكون مقراً للدعاية الشيعية والذى أطلق عليه جامع القاهرة، ولاستكمال شكل الدولة والتقرب من قلوب العامة فان جوهر جلس للقضاء بنفسه ثم عين الولاة والقضاة والمشرفين على الخراج والشرطة.
يتناول انتهاء حكم جوهر لمصر الذى امتد لأربع سنوات أسس فيها العاصمة القاهرة والجامع الأزهر، وارسى دعائم الدولة الفاطمية، واستعد لاستقبال موكب الخليفة المعز، فضلاً عن النزاع الذى دار رحاه بين الفاطميين والقرامطة أصحاب المذهب الدينى الواحد، ثم عودة إلى بداية ظهور الدعوة المهدية على يد الحسين الأهوازى فى العراق، وحقيقة الفاطميين، ودعوة حمدان بن الأشعب قرمط الذى ينتسب إليه القرامطة وما فيها من خروج عن الدين طيقا لما روته المؤلفة.
والمؤلفة فى عرضها التاريخى لنشأة الدعوة المهدية فى هذاالموضوع تكون قد ارتكبت خطأ منهجياً حيث عادت إلى ذكر أحداث كان من الواجب ادراجها فى الموضوع الأول (دعوة غامضة) لكى لا تقطع الحدث التاريخى، والمعالجة هنا كيفتها المؤلفة طبقاً للنزاع القائم بين أبناء الدعوة، وتلك وجهة نظر قد تكون قريبة من الصحة عند بعض المدارس التاريخية لكن مع ضرورة الإشارة إليها عند التطرق إلى الدعوة الشيعية فى الموضوع الأول.
وعموماً فقد وصل موكب الخليفة إلى القاهرة واستقبله وجوه البلاد وأعيانها وأشرافها، واستهل المعز اعماله بالسخاء على الأهالى والسادة الأشراف الذى أجزل لهم العطايا، وكما تنحى جوهر للخليفة فإن تنحيته هذه المرة كان لأبراز دور أبى الفرج يعقوب بن كلس مرة أخرى فى تثبيت المعز بالقاهرة والتقارب بينه وبين المصريين والعكس من خلال نشر المذهب الجديد، وبدأت القاهرة مع قدوم الخليفة تجذب المصريين إليها بعد أن كانت خاصة بالغازيين وبوجه خاص مع قدوم شهر رمضان.
على أن أهم حدث أُفرد له كان افتتاح جامع القاهرة للصلاة بصفة رسمية عقب صلاة العيد، وتلك كانت إشارة من الخليفة إلى المكانة الخطيرة التى سيحتلها الجامع الجديد الذى توافد عليه الناس فاضحى هو مسجد الدولة الرسمى، فصلى الخليفة بالمصريين صلاة العيد وخطب فيهم ثم قدم إليهم الموائد فى قصره وهو قائم بينهم والناس فى حالة من الأكبار والتقدير والأبتهاج بهذا الحاكم المتبحر فى علوم الدين وفنون السياسة وأساليبها من خلال خطبته البليغة.
يُبين هذا الموضوع حالة الوضع الدينى القائمة فى البلاد بين المصريين أصحاب المذهب السنى والفاطميين حكام البلاد ومذهبهم الشيعى المخالف، والذين ظنوا أن مكانتهم السياسية فى البلاد تعلى من شأنهم فى التطاول ليس على معارضيهم فى المذاهب فقط، بل على شخصيات لها قداستها فى الدين وعند المصريين، وبخاصة عند الاحتفال بيوم عاشوراء حتى تطور الأمر إلى نشوب معارك حامية الوطيس كانت الغلبة فيها للشيعى، بل ظهرت نعرة الشيعى والسنى وخاض الناس فى شخص المعز ونسبه.
ولما سمع المعز بذلك جمع وجوه الشعب وكبار المغاربة والسادة الأشراف فى قصره وأقسم لينكلن بمن يعود لتلك المهاترات مرة ثانية، واحتجب عن الناس لعدم الخوض فى شئونه الخاصة وإظهاره بمظهر عدم المخلص للدين، واطلق أتباعه شائعات آمنو بها سرت كدوى البرق مفادها أن الخليفة قد تلقى الوحى من السماء عندما صعد إليها فى جولة روحية سخر منها المصريون واعتبروها أول بداية لاقرار مذهب الروافض القائم على تقديس إمام المذهب تقديساً يصل إلى حد الاقرار بالعبودية، وزاد من سخرية المصريين من الخليفة للمرة الثانية عودة القرامطة إلى الاقتراب من حدود مصروالنزاع الذى دب بين أبناء المذهب عندما عاد الخليفة هو الأخر من جولته الروحية فى السماء حسب زعمهم ليطلق شائعة مفادها رؤيته التى أباد فيها القرامطة.
ازاء ذلك وخوفاً من الخوض فى حسبه ونسبه والتقليل من شأنه أمام اتباعه فقد دعا الناس إلى الصلاة الجامعة فى مسجد القاهرة ثم كشف عن قناعه أمام المصريين فى خطبته، وهو نفس السبب الذى حدا بالكاتبة أن تسمى موضوعها باسم السيف والذهب عندما قال للناس أن من يريد معرفة حسبه ونسبه فلينظر إلى السيف القاطع البتار وإلى الذهب، ولإستكمال صدق رؤيته يرسل إلى الحسن الأعصم (زعيم القرامطة) رسالة طويلة كانت أشد وأنكى حدة من السيف، هدف من ورائها إلى تثبيط همته فى القتال وهزيمته أدبياً وكشف حقيقته أمام الناس، تلك الرسالة كانت سبباً فى انفضاض الناس عن الحسن الأعصم، كما كانت سبباً أيضاُ فى القضاء على الهجوم القرمطى على مصر بل وعلى الدعوة القرمطية بأسرها وما كان ينتظر العالم الإسلامى على أيدى القرامطة من شر وبلاء، وهكذا وجد الناس بعد وفاة المعز أن السسيف والذهب أكثر قدرة من الحسب والنسب فى تسير دفة الأمور.
عبرت المؤلفة عند تعرضها لهذا الموضوع إلى مناقشة أوضاع لا تمت إليه بصلة حينما عادت إلى الحديث عن أبى الفرج يعقوب بن كلس وقضية إسلامه من عدمها وايمانه بالمذهب الشيعى مذهب الامام، وكان من الأجدر بها معالجة هذا الأمر فى الموضوع الثانى (أرض الاحلام)، والتى تعرضت فيه لقصة اسلام يعقوب على أن تفرد للازهر موضوعاً كاملاً كما يحلو لها، وعلى أيه حال فمن الجائز أنها نحت هذا النحو كى تعالج فترة زمنية تالية تتمثل فى عهد الخليفة العزيز بالله تاركة الاحداث التاريخية السابقة ابان عهد المعز، وهى الوجهة التالية ليعقوب والتى سعى إليها من أجل التقريب وإزالة الخلاف بين الفواطم أصحاب المذهب الشيعى الحاكم وعامة المصريين عن طريق العلم ودراسته وتحصيله، وهى احدى الحيل التى استخدمها.فالموضوع يتناول فتح جامع القاهرة (الأزهر فيما بعد) للدراسة بعد تهيئته لنشر المذهب الشيعى وتعين فقهاء وأعلام المذهب للدرس بالجامع وعلى رأسهم أبو حنيفة النعمان القيروانى (قاض قضاه المعز بالمغرب) وولده أبو الحسن، حلقات الدراسة تلك كانت قاصرة على الخاصة وأكابر الحاشية من أهل المغرب واشياعهم من موالى الخليفة، توالت بعدها وفود الناس لحضور حلقات نشر غوامض الفقه الشيعى ومعرفة أسراره واحكامه.أما عن تغير مسمى جامع القاهرة- الذى ظل على تسميته طوال عهد المعز- إلى الجامع الأزهر فقد اوردت المؤلفة فى تغير التسمية سببين عاد الفضل فيهما إلى يعقوب بن كلس، أولهما: بناء القصور الزاهرة العامرة فى عهد الخليفة العزيز بالله واشارته بأن يكون مسماه الجامع الأزهر تمشياً مع رغبته بأن يكون هناك شئ زاهر فى عهده، ثانيهما: نسبته إلى الزهراء البتول بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مظهر من مظاهر التكريم للخليفة ونسبته إليها.وبدأت الدراسة تشق طريقها إلى الجامع الأزهر إثر محاولات ابن كلس التقريب بين الفواطم وعامة المصريين عن طريق الدراسة والندوات العلمية فى شتى مناحى العلوم والفنون التى عقدها بقصره، ومن خلالها برع فى فنون الكلام والأدب، وقدم للمكتبة تصانيف جديدة فى العلوم الدينية والفقه الإسلامى منها فقه الشيعة المعروف بالرسالة الوزيرية حتى أضحى قصرة مجمعاً علمياً له شهرته وأحب المجالس إلى نفوس المصريين من أهل السنة الذين رغبوا فى معرفة اسرار الدعوة، حينئذ طلب ابن كلس من الخليفة العزيز بالله نقل تلك المجالس الأدبية إلى صحن الجامع ليصبح دار علم وتثقيف فى فقه الشيعة ومذهب الامامية الاسماعيلية، وبذلك يعود الفضل إلى يعقوب فى تحويل الجامع ليس إلى دار علم وتثقيف فقط بل جامعة يأوى إليها طلاب العلم والمعرفة فوافقه الخليفة على ذلك.وفى عام 369هـ/980م تصدر أبو الفرج يعقوب أول حلقة علم بالأزهر لدراسة المذهب الشيعى فى المصريين الذين اقبلوا على حلقاته، ووجدوا فيها الفرصة للعودة إلى حلقات الدرس والعلم فى الفقه والحديث كالتى كانت تقام فى جامع عمرو بن العاصى والامام الشافعى وغيره، وقد تتابع علماء الشيعة من بنى النعمان على الدراسة بالأزهر بعد يعقوب وقدمت المؤلفة نماذج من علمائهم كابن زولاق (مؤرخ العصر الفاطمى)، ومما درسوه كتاب (دعائم الاسلام فى الحلال والحرام والأحكام- من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم).