ناصر شلبى Admin
عدد المساهمات : 604 تاريخ التسجيل : 24/06/2012 العمر : 65 الموقع : مصر
| موضوع: مؤامرة على الرئيس للكاتب : أحمد يوسف أحمد ( منتديات نور الصباح ) الجمعة يوليو 27, 2012 10:52 pm | |
| مؤامرة على الرئيس للكاتب : أحمد يوسف أحمد ( منتديات نور الصباح )
شهدت الآونة الأخيرة حديثا متصاعدا من البعض عن مؤامرة تحاك وتنفذ لإفشال رئيس الجمهورية المنتخب، ويفترض بداهة أن الهدف من هذه المؤامرة هو إظهار عجز الرئيس وعقم التيار الذى ينتمى إليه بما ينتهى إلى زعزعة أركان حكمه والإساءة البالغة لهذا التيار، وهو ما يمثل دون شك محورا أساسيا من محاور الصراع السياسى المحتدم فى مصر الآن، ويُفرط أصحاب «حديث المؤامرة» فى استخدام مصطلح «الدولة العميقة» الذى بات استخدامه بمناسبة ومن غير مناسبة من «علامات الثورية» الحقة. يستشهد هؤلاء بوقائع حقيقية تمثل تحديا لسلطة الدولة، ومن شأن الفشل فى مواجهتها أن تبدو هذه السلطة عاجزة ومهترئة، وتشير هذه الوقائع إلى عودة الانفلات الأمنى فى أوسع معانيه إلى عديد من المدن والمناطق المصرية. من هذا على سبيل المثال ما يقال عن سيطرة عصابات السطو المسلح على جنوب سيناء، وعودة البلطجة فى أشد صورها إلى مدينة بورسعيد، وسيطرة البلطجية على شواطئ مدينة الإسكندرية، وقيام مجموعة من الشباب العاطلين بالسيطرة على محطة مياه فى القنطرة شرق تغذى سيناء بالمياه العذبة، وعودة الهجمات من قبل البلطجية على أقسام الطوارئ بالمستشفيات, وآخرها مستشفى قصر العينى، وعودة سلوك اختطاف السياح فى سيناء. وذلك بالإضافة إلى تصاعد الوقفات الاحتجاجية من جديد من أجل مطالب اقتصادية واجتماعية.
ولا مانع عندى من أن يكون كل ما سبق وغيره مؤشرا على هذه «المؤامرة»، خاصة أن وتيرة هذه الأعمال كانت قد خفت فى ظل حكومة الجنزورى، ولا مانع أيضا من أن يكون «للفلول» دور فيها سواء تحت قواعدهم فى «الدولة العميقة» أو فى أى إطار آخر، غير أن ثمة تحفظات واجبة الذكر فى هذا الصدد، منها مثلا أن كل ما يتعلق بالانفلات الأمنى كان موجودا بعد الثورة، وفى ظل الحكومات المتعاقبة التى شهدتها، واعتبر فى حينه ــ بعيدا عن فكرة المؤامرة ــ رد فعل طبيعيا للزلزال الذى أصاب المؤسسة الأمنية المصرية إبان الثورة وبعدها، كما أن تصاعد الانفلات الأمنى قد يرتبط بفترة الغموض التى نمر بها ما بين حكومة مستقيلة تسير العمل اليومى وحكومة يختارها رئيس الجمهورية تأخر ميلادها طويلا إذا وضعنا الظروف الراهنة فى الاعتبار، كذلك فإن الوقفات الاحتجاجية ذات الطابع الاجتماعى اعتبرت من قبل المروجين لفكرة المؤامرة قبل ولاية مرسى دليلا على استرداد الشعب وعيه، ومن ثم مطالبته الدؤوبة بحقوقه، ولم يشر أحد منهم فى ذلك الوقت من قريب أو من بعيد إلى أن هذه الوقفات تمثل مؤامرة على الثورة أو خطرا عليها.
●●●
وإذا اعتبرنا أن كل ما سبق من حديث عن المؤامرة ينبع من الإطار المجتمعى المحيط برئيس الجمهورية فإن الدائرة الضيقة المحيطة به مسئولة عما هو أخطر من المؤامرة، وتتمثل هذه الدائرة فى نوع الضغوط الواقعة عليه والمشورة التى تقدم له، فحزب الحرية والعدالة ظاهر فى الصورة أكثر من اللازم على الرغم من كل ما قيل ــ واختلفت معه فى حينه ــ عن فك الارتباط بينه وبين رئيس الجمهورية، ولا يبدو أن أقطاب الحزب يأبهون لما أحدثه قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب «المنحل»، فهم ماضون فى الدفاع عن القرار بلغة بالغة التشدد على الرغم من أن رئيس الجمهورية نفسه قد تراجع عن القرار بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارا ببطلان قرار رئيس الجمهورية، وأنه ــ أى القرار ــ عقبة أمام تنفيذ حكم حل مجلس الشعب، وأن أحكام الدستورية العليا نهائية وباتة وملزمة، وذلك بالإضافة إلى إحالة اتهام المحامى المنتمى لجماعة «الإخوان المسلمين» المحكمة بالتزوير إلى النائب العام. وفى أعقاب قرار الدستورية أكدت رئاسة الجمهورية فى بيان «احترامها للدستور والقانون، وتقديرها للسلطة القضائية وقضاة مصر الشرفاء، مؤكدة التزامها بالأحكام التى تصدر عن القضاء المصرى، وحرصها على منع أى صدام بين سلطات الدولة»، وهو رجوع إلى الحق يُحمد لرئيس الجمهورية، وإن كانت أوساط «حزب الحرية والعدالة» ومن شايعها استمرت فى تأييدها المطلق للقرار المحكوم ببطلانه، والهجوم على المعترضين على القرار، ومن المؤسف فى هذا السياق أن ألفاظا لا تليق فى وصف الخصوم قد استخدمت بوفرة فى هذا السجال، ومن هذا التأييد المطلق وغير الواعى لقرار الرئيس ما صرح به رئيس المجلس «المنحل» بعد حكم محكمة النقض بعدم اختصاصها بالنظر فيما أحاله إليها رئيس المجلس من أن المجلس باقٍ ولم يتم حله، ومستمر فى أداء عمله ووظيفته، وأن حكم المحكمة الدستورية لا يعتد به بعد إعادة محكمة النقض الكرة إلى ملعب المجلس (!) بحكم عدم الاختصاص بالفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب. ومن علامات الإصرار على إدامة الارتباك فى الساحة السياسية المصرية ما صرح به صبحى صالح وكيل اللجنة التشريعية فى المجلس «المنحل» من أن الحزب قد يلجأ إلى هيئة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لتفسير حكم الدستورية بحل البرلمان (!)، خاصة أن هناك خلافا بين الفقهاء فى هذا الصدد، فهل سمع أحد يوما عن أن خلاف الفقهاء حول حكم قضائى يستوجب اتخاذ إجراء خاص بهذا الحكم؟ ومن هذا النحو أيضا ما صرح به واحد من كبار القضاة السابقين بأنه «حتى لو كان مجلس الشعب باطلا أو منحلا فينبغى بقاؤه إلى حين انتخاب مجلس جديد» (!). فأى نوع من المشورة تقدم للرئيس الذى يتعين عليه أن يحسن اختيار مستشاريه لوقف هذا النزيف السياسى، ومن أجل الحفاظ على هيبة الرئاسة؟
●●●
ويبدو مما سبق أن الأزمة تسير فى طريق محتوم لا يمكن أن يفضى إلا إلى الصدام، وظنى أن جوهر هذه الأزمة هو «حروب السياسة والقضاء»: قرارات سياسية تبطلها أحكام قضائية، ولن نصل أبدا إلى نتيجة إذا استمر هذا النهج، اللهم إلا إصابة كل من طرفى الأزمة (سلطة القضاء والسلطة السياسية) بضرر جسيم سوف ندفع ثمنه باستقرارنا السياسى الهش أصلا، والحل يكمن فى عمل سياسى جاد، علما بأن لكل تصرف سياسى بعدا قانونيا، وأن لكل تصرف قانونى بعدا سياسيا، لذلك يجب أن يستمع رئيس الجمهورية قبل إصدار قراراته إلى مشورة سياسية وقانونية، وثمة شك فى قدرة من يشيرون على الرئيس على التصدى لمهمتهم وإلا لما حدث ما حدث، ومما يقلق كثيرا أن ما يتردد عن «فرق رئاسية» لتقديم المشورة لا يبدو حتى الآن أنه يفى بالغرض على الأقل بالنسبة لبعض المرشحين لهذه الفرق.
فى حديث «المؤامرة من الداخل» إذا جاز التعبير يأتى موضوع تشكيل الحكومة الجديدة الذى مضى عليه أكثر من نصف شهر منذ تولى رئيس الجمهورية سلطاته، وهى مدة معتبرة فى ظروفنا الحالية، وقد يقال إن رئيس الجمهورية يواجه بموازنات صعبة لأنه وعد برئيس وزراء مستقل وحكومة ائتلافية أغلب أعضائها من خارج «حزب الحرية والعدالة». وقد سبق أن ذكرت فى مقالى الأخير أن «الجماعة» لن تدع رئيس الجمهورية يفلت من إسارها بهذه البساطة، والملاحظ أن الأنباء التى تتردد عن التشكيل تأتى كلها تقريبا من مصادر قيادية فى «حزب الحرية والعدالة» بينما لا يتحدث رئيس الجمهورية فى الموضوع على الإطلاق، والملاحظ أيضا أن «الإخوان المسلمين» يكررون سلوكهم السابق نفسه فى الانتخابات التشريعية والرئاسية: لن تكون لنا أغلبية فى الوزارة التى ستضم ثلاثة وزراء من الجماعة...سوف يكون لنا 40% من الوزراء.. سوف يكون لنا نصف المقاعد الوزارية، وذلك بالإضافة إلى الوزراء غير المنتمين تنظيميا للإخوان وإن كانوا متعاطفين معهم قلبا وقالبا (نموذج التشكيل الأول للجنة التأسيسية للدستور). الطريف هنا أن هذه النسب (40% على سبيل المثال) مبنية على أساس موازين القوى فى مجلس الشعب «المنحل»، وليس من الضرورى أن تبقى هذه النسب على ما هى عليه، بل قد تتدهور كما حدث فى الانتخابات الرئاسية. والغريب أيضا أن الجماعة ملأت الدنيا صخبا منذ شهور عديدة من خلال ممثليها فى مجلس الشعب بخصوص ضرورة استقالة حكومة الجنزورى أو إقالته، وأنها ــ أى الجماعة ــ جاهزة على نحو فورى لتشكيل حكومة بديلة، فأين ذهب هذا كله الآن؟
●●●
لا شك إذن أن ضعف المشورة المقدمة إلى الرئيس الجمهورية وما يسببه هذا الضعف من قرارات متخبطة وغياب حكومة تحمل الرئيس وبرنامجه يؤثران فى المشهد السياسى الحالى على نحو جذرى، وبالتالى فإن «المؤامرة» على الرئيس ــ إن وجدت ــ تنبع أساسا من الدائرة الضيقة المحيطة به، ولذلك فإن القضاء على هذه «المؤامرة» بيد الرئيس وحده دون غيره.
| |
|