الخليفة الواثق بالله واسمه محمدا قراءة تاريخية معاصرة (م منتديات نور الصباح )
الخليفة الواثق بالله واسمه محمدا
قراءة تاريخية معاصرة
بداية عهده
واسمه محمدا وقد كان منذ حداثته راجح العقل بصيرا بتصريف الأمور وسياسيا ماهرا موصوفا بكثير من الخلال التي جعلت والده الخليفة المعتصم يعتمد عليه ومن ثم يوليه العهد وقد لقببالخليفة الواثقبالله ثم تولى الخلافة في شهر ربيع الأول من سنة 227هوهو تاسع خلفاء بني العباس وقد اقتدى بابيه في الاعتماد على الأتراك الذين كثر عددهم وشغلوا المناصب العالية في الدولة فولى اشناس التركي السلطة وتوّجه بتاج مرصع بالجواهر , وفي بداية عهده بدأت الفتن والثورات وتعاظمت كثيرا من المشاكل فقد ثارت القيسية ابتداء بدمشق فحاصروا واليها فأرسل إليهم جيشا بقيادة رجاء بن أيوب الذي انتصر عليهم في مرج راهط وقتل منهم نحو ألف وخمسمائة وانهزم الباقون وعاد الأمن إلى نصابه(أبو الفدى, المختصر في أخبار البشر ج2ص35) .
وقد ذكر الطبري إن بني سليم وغيرهم من البدو عاثوا في بلاد الحجاز ببداية عهد الواثق فنهبوا الأسواق وامتد أذاهم إلى كثير من الناس وقطّعوا الطرق وأوقعوا بجند والي المدينة المنورة فأرسل إليهم الواثق جيشا آخر في شهر شعبان سنة 230 ه بقيادة بغا الكبير وهو أحد قواده الأتراك فقتل منهم نحو خمسين رجلا واسر مثلهم وقبض على نحو ألف رجل منهم ممن عرفوا بالشر والفساد وحبسهم بالمدينة ثم سار لإخضاع بني مرّ في اليمن بعدن ولما تحرك بجيشه حاول الذين اعتقلهم الخروج من الحبس وثاروا في المدينة فأحاط بهم أهلها وقتلوهم عن آخرهم وبعدها عاد بغا إلى مركز الخلافة بسامراء بعد أن اقر الأمن في جزيرة العرب الشمالية كما اشتبك في عدة حروب مع القبائل المناوئة للخلافة في أواسط هذه البلاد وجنوبها على غير جدوى,
(الواثق يسير على سياسة أبيه في الانتصار للمعتزلة وتشدد في فرض آرائه على الناس مما أدى إلى إثارة خواطر أهل بغداد فتآمروا عليه).
اشتداد عرى الفتنة
لقد سار الخليفة الواثق على سياسة أبيه الخليفة المعتصم في الانتصار للمعتزلة وقد تشدد في فرض آرائه الدينية على الناس مما أدى إلى تفاقم عرى تلك الفتنة الكبيرة التي أدت في نهاية المطاف إلى إثارة خواطر أهل بغداد من العلماء وغيرهم فتآمروا على الخلافة وكان على راس الساخطين على الخليفة ممن أنكروا القول بخلق القرآن وحملوا على الواثق بحملة شعواء هو الشيخ احمد بن نصر كما انهم دعوا لعزله( وهذا ما يذهب به البعض لإيحاء إنها حركة لأجل الحكم ولكن المتواتر إنها لم تكن كذلك) والتف حول الشيخ كثير من أنصاره الذين أرادوا التآمر حتى عينوا يوما ينفذون به مؤامرتهم على أن يضربوا الطبول في الليلة السابقة لذلك اليوم بيد أن الرجلين اللذين عهد إليهما بتنفيذ ذلك الأمر اكثرا من (شرب الخمر) في تلك الليلة واخذ الفريق الثاني الذي يرابط على الجانب الشرقي يدق الطبول فلم يجبهم أصحابهم الذين رابطوا بالجانب الغربي فكشفت المؤامرة قبل أن يستفحل خطرها وقبض على الشيخ احمد بن نصر وأعوانه وسيقوا إلى الخليفة الواثق في سامراء قاعدة خلافته فعقد لهم مجلسا للمناظرة وطرحت مسالة الشغب والخروج على الخلافة جانبا وناظر الخليفة الشيخ احمد في مسالة خلق القران فقال له يا احمد ما تقول في القران قال كلام الله قال امخلوق هو؟ قال هو كلام الله قال فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة قال يا أمير المؤمنين جاءت الآثار عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم انه قال ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته فنحن على الخير فقال الواثق لمن حوله ما تقولون فيه فقال القاضي عبد الرحمن بن اسحق هو حلال الدم وقال غيره اسقني دمه يا أمير المؤمنين ووافقه الحاضرون إلا ابن أبي دؤاد قاضي القضاة فانه قال يا أمير المؤمنين كافر يستتاب لعل به عاهة أو تغير عقل فقال الواثق إذا رأيتموني فقد قمت إليه فلا يقومن أحد معي فاني احتسب خطاي إليه ودعا بالصمصامة سيف عمرو بن معد يكرب الزبيدي ذلك الفارس العربي الذي ذاع صيت سيفه وكان قد اهدي إلى الخليفة الهادي العباسي وورثه خلفاؤه من بعده , فضربه على عنقه ورأسه وضرب إحدى خاصته فقطع عنقه وحز رأسه وحمل إلى بغداد وصلب بالجانب الغربي أياما وفي الجانب الشرقي أخرى ووضعت في إذنه رقعة كتب فيها( هذا راس الكافر المشرك الضال احمد بن نصر بن مالك ممن قتله الله تعالى على يدي عبد الله هارون الامام الواثق بالله أمير المؤمنين , بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن ونفي التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح والحمد لله الذي عجل به إلى ناره واليم عقابه(الطبريج11ص17/18)
في الجزء القادم سياسة الواثق مع رجال الدولة
سياسة الواثق
لقد تمتع ولاة الأقاليم في عهد الواثق بنفوذ كبير وقد كان منهم عبد الله بن طاهر بن الحسين يدبر شؤون ولاية خراسان وطبرستان وكرمان كما اسند الواثق للقائد التركي اشناس أعمال الجزيرة والشام ومصر والمغرب فولى عليها ولاة من قبله ولكنه كان مقيما بسامراء مركز الخلافة العباسية لكن الضعف والتحكم والتداخلات السياسية كانت قد بدأت للتو تنهش بجسد تلك الدولة وبانت علائمها بسياسة الحكم التي شابت عهد الواثق فبات يحس بذلك حتى انه سال أحد جلسائه في إحدى الليالي أن يقص عليه قصة البرامكة التي حدثت وقائعها في عهد جده الرشيد فحدثه بها الرجل وبقي الواثق منصتا وعرف كيف انتزع الرشيد منهم الأموال حتى أتم سماع القصة فقال لقد صدق والله جدي إنما العاجز من لا يستبد فلم يمض أسبوع واحد حتى أوقع بكتابه واخذ من كل واحد منهم مبلغا يتراوح بين أربعة عشر ألف والف ألف دينار عباسي أي (مليون) وهنا نقف على أسباب منحى تفشي الفساد والرشوة بين رجال الدولة بذلك العهد (الطبري ج11ص10/12) .
لقد ذكر المسعودي إن احمد بن أبي دؤاد المعتزلي والوزير محمد بن عبد الملك الزيات كانا قد غلبا على الواثق فكان لا يصدر أمرا إلا عن رأيهما وكان قد قلدهما الأمر وفوض إليهما ملكه .
ولقد كان الواثق لا يبارى في علمه وأدبه حتى سمي بالمأمون الأصغر لأدبه وفضله(تاريخ الخلفاءص227) وانه شغف بالوقوف على آراء العلماء والحكماء فطلب من حنين ابن اسحق أن يؤلف له كتابا يذكر فيه الفرق بين الغذاء والدواء والمسل وآلات الجسد فألفه واسماه (كتاب المسائل الطبيعية)(مروج الذهب ج2ص366) مما يعطي انطباعا إن الواثق كان ميالا لمتابعة العلم والعلماء وقد حكم الواثق قرابة ست سنين وتوفي في شهر ذي الحجة من سنة232 ه وبوفاته يكون قد انتهى العصر الذهبي للدولة العباسية وتلك نتيجة طبيعية لتلك السياسة التي سار عليها والده المعتصم الذي اعتمد كليا على الأتراك في الجيش واثروا على سياسة الدولة عندما احلهم محل العرب وبما تسبب أولئك من إثارة خواطر الأهالي والعلماء بسبب إطلاقهم وتمسكهم بالبدع الدينية الضالة.
وقد ذكر المسعودي أيضا وصف أحد الأعراب رجال الدولة في عهد الواثق فقال ذكر أبو تمام حبيب بن اوس الطائي الجاسمي نسبه إلى جاسم وهي قرية من أعمال دمشق بين بلاد الأردن ودمشق بموضع يعرف بجاسم على أميال من الجابية قال خرجت في أيام الواثق إلى سر من رأى فلما قربت منها لقيني إعرابي فاردت أن اعلم خبر العسكر منه فقلت يا إعرابي ممن أنت قال من بني عامر قلت كيف علمك بعسكر أمير المؤمنين قال قتل الله أرضا عاملها (أي العسكر) قلت ما تقول في أمير المؤمنين قال (وثق بالله فكفاه أشجى القاصية وقصم العادية ورغب عن كل ذي جناية) قلت فما تقول في احمد بن أبي دؤاد قال هضبة لا ترام وجبل لا يضام تشحذ له المدى وتنصب له الحبائل حتى إذا اقبل كان قد وثب وثبة الذئب وختل ختلة الضب قلت فما تقول في الوزير محمد بن عبد الملك الزيات قال وسع الداني شره ووصل إلى البعيد ضره له في كل يوم صريع لايرى فيه اثر ناب ولا مخلب,,, والى نهاية رواية ذلك الإعرابي التي أردنا من ذكرها هنا الإشارة إلى إن بطانة الرجل كانت سيئة كما هو الحال غالبا حد أيامنا الراهنة ودونما يتعظ أحدا,
وقدكان لها كبير الأثر بالتأثير على سياسة الخليفة الواثق رغم كل ما ذكر عن الرجل من صلاح وقد تزامن ذلك مع سيره على خطى والده بمسالة الاعتزال وتبنيها بشدة والموقف الحاد بعدم تقبلهم لرأي مخالفيهم واعتبارأفكارهم من الزندقة بذلك المنحى المتطرف الذي كان من الممكن تلافيه فحتى لو صح في أذهانهم مجازا وانهم اعتبروا إن التسليم برؤية الله عز وجل وكلام الله في القرآن إنها مسائل لا يصح التعرض لها مطلقا وقتئذ فقد كان من المفترض بحسب رؤيتنا تحجيم ذلك بأية وسيلة خاصة مع العلماء الاجلاء عدا الاستتابة واقامة الحجة والقتل بل بالحوار والإقناع وليس إقحام الأمة بذلك الصراع الذي كلفها كثيرا من الفتن والدماء والأحقاد وعوق الحراك العلمي الفكري الديني وشق صفوف المؤمنين ومؤداه في إضعاف دولة الإسلام إضافة لتفاقم سير التداخلات السياسية بالميل إلى الاعتماد على الأتراك على منحى والده أيضا وتلك كانت هي اكبر العوامل والمظاهر التي شابت خلافة الواثق بن المعتصم.